مناجاة الذئب في "النايل" الفراتي

لكن هذه العلاقة العدائية لم تمنع الشعراء من الحديث إلى الذئب تارة، ومقاسمته الزاد تارة أخرى يقول "الفرزدق" مخاطباً الذئب:

تعشّ فإن واثقتني لا تخونني/ نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فبتّ أقدّ الزاد بيني وبينه/ على ضوءِ نـارِ مــرةً ودخانِ

أما عن الشاعر العربي فإنه عمد إلى مناجاة الذئب وأروع الأشعار في هذه المناجاة ظهرت في لون "النايل" ذلك اللون البارز بين ألوان الشعر الفراتي، فنجده يتساءل عن سبب عواء الذئب، مع أن كبده سليمة، وكبد الشاعر كأنها الجلد المصبوغ بالدباغ:

يا ذيب ليش تعوي كبودك بعدهن صاغ/ واني كبودي غدن جلد وعليه دباغ

ثم يشكو إلى الذئب عدوى العواء التي أصابته:

جضّن ضلوعي سوى أعديتني يا ذيب/ يحرم علينا الغوى مازالهم تغريب

فما يلبث أن يتألم لحال الذئب فيطلب إليه الكف عن العواء، فلماذا العواء، ومصيبتي أكبر من مصيبتك؟!

يا ذيب حاجة تعوي حالك مهو لحالي/ قلبك سليم الغثا ما فارقت غالي

وعندما يشتد ألم الشاعر يتهم الذئب بخرمشة قلبه.

ذيب خمش ضامري صاطي على

كبودي/ كلما انفوه بزعل مال العوا يزودي

والجروح التي خلفها الذئب عميقة مما جعله يطلب إلى الآخرين الابتعاد عنه لأن قربهم من القلب يؤذيه:

ذيب خمشني وسطا مجروح من نابو/ لا تلجمون القلب مكوّى على حبابه

ثم تنتقل تلك المناجاة لتصل إلى المرتبة التي يشعر بها الشاعر بالأسى لتلك الذئبة العمياء وأبنائها الجياع.

الذيبة الــ بالكهف عميا وضناها مجيع/ ينهونا عن الولف عيّ الدليل يطيع

وهو يرى أن هناك فرقاً كبيراً بين دواعي عواء الذئب وأنين المحب.

الذيب لمن عوا فاقد مفاليهن/ وعنين راعي الهوى يذكر معانيهن

فالأول يبحث عن ذئاب أخرى والثاني يئنّ عندما يذكر معاني كلمات حبيبه الرائعة. من ذلك الخلاف الأزلي وذلك الوئام الغريب في المناجاة بين الذئب والشاعر، وردتنا هذه الهواجس الشفافة التي تنقلنا إلى تلك الفلاة التي يشق أفقها الصدى ليسلو بها العاشق، ويتمتع بها المفارق، فجاءت بذلك لوحة فنية جميلة مرسومة بكل عناية وإلهام.

منقول للباحث محمد الموسى الحومد

» بلدة "السبخة" أقدم ناحية في "الرقة"
» مناجاة شعرية
» رَبَآه لَوْ بَلَغَت ذُنُوبِيْ عَنَآنْ آلسَمَآء مآ " يَئٍستْ‏